فصل: غزوة بهاطية والملتان وكوكبر.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.غزوة بهاطية والملتان وكوكبر.

ولما فرغ السلطان محمود من سجستان اعتزم على غزو بهاطية من أعمال الهند وهي وراء الملتان مدينة حصينة عليها أنطاق من الأصبوان وآخر من الخنادق بعيدة المهوى وكانت مشحونة بالمقاتلة والعدة واسم صاحبها بجير فعبر السلطان إليها جيحون وبرز إليه بجير فاقتتلوا بظاهر جهاطية ثلاثة أيام ثم انهزم بجير وأصحابه في الرابع وتبعهم المسلمون إلى باب البلد فملكوه عليهم وأخذتهم السيوف من أمامهم ومن ورائهم فبلغ القتل والسبي والسلب والنهب فيهم مبالغه وسار بجير في رؤوس الجبال فستر في شعابها وبعث السلطان سرية في طلبه فأحاطوا به وقتلوا من أصحابه ولما أيقن بالهلكة قتل نفسه بخنجر معه وأقام السلطان محمود في بهاطية حتى أصلح أمورها واستخلف عليها من يعلم أهلها قواعد الإسلام ورجع إلى غزنة فلقي في طريقه شدة من الأمطار في الوحل وزيادة المدد في الأنهار وغرق كثير من عسكره ثم بلغه عن أبي الفتوح والي الملتان أنه ملحد وأنه يدعو أهل ولايته إلى مذهبه فاعتزم على جهاده وسار كذلك ومنعه سيجور من العبور لكثرة المدد فبعث السلطان إلى أندبال ملك الهند في أن يبيح له العبور إلى بلاده لغزو الملتان فأبى فبدأ بجهاده وسار في بلاده ودوخها وفر أندبال بين يديه وهو في طلبه إلى أن بلغ كشمير ونقل أبو الفتوح أمواله على الفيول إلى سرنديب وترك الملتان فقصدها السلطان وامتنع أهلها فحاصرهم حتى افتتحها عنوة وأغرمهم عشرين ألف ألف درهم عقوبة لهم على عصيانهم ثم سار إلى كوكبر واسم صاحبها بيدا وكان بها ستمائة صنم إلى افتتحها وأحرق أصنامها وهرب صاحبها إلى قلعته وهي كاليجار وهو حصن كبير يسع خمسمائة ألف إنسان وفيه خمسمائة وعشرون ألف راية وهو مشحون بالأقوات والمسالك إليه متعذرة بخمر الشجر وملتف الغياض فأمر بقطع الأشجار حتى اتضحت المسالك واعترضه دون الحصن واد بعيد المهوى فطم منه عشرين ذراعا بالأجربة المحشوة بالتراب وصيره جسرا ومضى منه إلى القلعة وحاصرها ثلاثة وأربعين يوما حتى جنح صاحبها إلى السلم.
وبلغ السلطان أن ايلك خان مجمع غزو خراسان فصالح ملك الهند على خمسين فيلا وثلاثة آلاف من الفضة وخلع عليه السلطان فلبس خلعته وشد منطقته ثم قطع خلعته وأنفذها إلى السلطان وتبعه بما عقد معه وعاد السلطان إلى خراسان بعد أن كان عازما على التوغل في بلاد الهند.
مسير ايلك خان إلى خراسان وهزيمته.

.كان السلطان محمود لما ملك ايلك خان بخارى كما مر وكتب إليه مهنيا وتردد السفراء بينهما في الوصلة وأوفد عليه سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي إمام الحديث ومعه طغان جق والي سرخس في خطبة كريمته بهدية فاخرة من سبائك العقيان واليواقيت والدر والمرجان والوشى والحمر وصواني الذهب مملوأة بالعنبر والكافور والعود والنصول وأمامه الفيول تحت الخروج المغشاة فقوبلت الهدية بالقبول والوافد بالتعظيم له ولمن أرسله وزفت المخطوبة بالهدايا والألطاف واتحدت الحال بين السلطانين ولم يزل السعاة يغرون ما بينهما حتى فسد ما بينهما فلما سار السلطان محمود إلى الملتان اغتنم ايلك خان الفرصة وبعث سباسي تكين قريبه وقائد جيشه إلى خراسان وبعث معه أخاه جعفرتكين وذلك سنة تسعين وثلاثمائة فملك بلخا وأنزل بها جعفر تكين وكان أرسلان الحاجب بهراة أنزله السلطان بها وأمره إذا دهمه أن ينحاز إلى غزنة وقصد سباسي هراة وسكنها وندب الحسين بن نصر إلى نيسابور فملكها ورتب العمال واستخرج الأموال وطار الخبر إلى السلطان بالهند وقصد بلخ فهرب جعفر تكين إلى ترمذ واستقر السلطان ببلخ وسرح أرسلان الحاجب في عشرة آلاف من العساكر إلى سباسي تكين بهراة فسار سباسي إلى مرو واعترضه التركمان وقاتلهم فهزمهم وأثخن فيهم ثم سار إلى أبيود ثم إلى نسا وأرسلان في اتباعه حتى انتهى إلى جرجان فصد عنها وركب قلل الجبال والغياض وتسلط الكراكلة على أثقاله ورجاله واستأمن طوائف من أصحابه إلى قابوس لعدم الظهر ثم عاد إلى نسا وأصدر ما معه إلى خوارزم شاه أبى الحسن علي ابن مأمون وديعة لايلك خان واقتحم المفازة إلى مرو فسار السلطان لاعتراضه ورماه محمد بن سبع بمائة من القواد حملوا إلى غزنة ونجا سباسي تكين في فل من أصحابه فعبر النهر إلى ايلك خان وقد كان ايلك خان بعث أخاه جعفر تكين في ستة آلاف راجل إلى بلخ ليفتر من عزيمة السلطان عن قصد سباسي تكين فلم يفتر ذلك من عزمه حتى أخرج سباسي من خراسان في تصدهم فانهزموا أمامه وتبعهم أخوه نصر بن سبكتكين صاحب جيش خراسان إلى ساحل جيحون فقطع دابرهم ولما بلغ الخبر إلى ايلك خان قام في ركائبه وبعث بالصريخ إلى ملك الختل وهو قدرخان بن بقراخان لقرابة بينهما وصهر فجاءه بنفسه ونفر معه واستجاش أحياء النزل ودهاقين ما وراء النهر وعبر النهر في خمسين ألفا وانتهى إلى السلطان خبره وهو بطخارستان فقدم إلى بلخ واستعد للحرب واستنفر جموع الترك والجند والخلنجية والأفقانية والفربوية وعسكر على أربعة فراسخ من بلخ وتزاحفوا على التعبية فجعل السلطان في القلب أخاه نصرا صاحب الجيش بخراسان وأبا نصر ابن أحمد الفريغوني صاحب الجوزجان وأبا عبد الله بن محمد بن إبراهيم الطائي في كماة الأكراد والعرب والهنود وفي الميمنة حاجبه الكبير أبا سعيد التمرتاشي وفي الميسرة أرسلان الحاجب وحصن الصفوف بخمسمائة من الفيلة وجعل ايلك خان على ميمنته قدرخان ملك الختل وعلى ميسرته أخاه جعفرتكين وهو في القلب وطالت الحرب واستمات الفريقان ونزل السلطان وعفر خده بالأرض متضرعا ثم ركب وحمل في فيلته على القلب فأزاله عن مكانه وانهزم الترك واتبعوهم يقتلون ويأسرون إلى أن عبروا بهم النهر وأكثر الشعراء تهنئة السلطان بهذا الفتح وذلك سنة سبع وتسعين وثلاثمائة ولما فرغ السلطان من هذه الحرب سار للهند للإيقاع بنواسه شاه أحد أولاد الملوك كان أسلم على يده واستخلفه على بعض المعاقل التي افتتحها فارتد ونبذ الإسلام فأغذ السير إليه ففر أمامه واحتوى على المعاقل التي كانت في يده من أصحابه وانقلب إلى غزنة ظافرا وذلك سنة سبع وتسعين وثلاثمائة.

فتح بهيم نقرا.
ثم سار السلطان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة في ربيع منها غازيا إلى الهند فانتهى إلى سبط وبهند فلقيه هنالك ابن هزبال ملك الهند في جيوش لا تحصى فصدقهم السلطان القتال فهزمهم واتبعهم إلى قلعة بهيم نقرا وهي حصن على حصن عالية اتخذها أهل الهند خزانة للصنم ويودعون به أنواع الذخائر والجواهر التي يتقرب بها للصنم فداخ عنه وعن خزنته أياما ثم استأمنوا وأمكنوا السلطان من القلعة فبعث عليه أبا نصر الفريغوني وحاجبه الكبير ابن التمرتاش وواسع تكين وكلفهما بنقل ما في الخزائن فكان مبلغ المنقول من الوزن سبعين ألف ألف شامية ومن الذهبيات والفضيات موزونة والديباج السوسي ما لا عهد بمثله ووجد في جملتها بيت من الفضة الخالصة طوله ثلاثون ذراعا في خمسة عشر صفائح مضروبة ومعالق للطهي والنشر وشراع من ديباج طوله أربعون ذراعا في عرض عشرين بقائمتين من ذهب وقائمتين من فضة فوكلهما بحفظ ذلك ومضوا إلى غزنة فأمر بساحة داره ففرشه بتلك الجواهر واجتمعت وفود الأطراف لمشاهدتها وفيهم رسول طغان أخي ايلك خان.